ثقفوا أولادكم جنسيا

منذ أيام، شاهدت برنامجاً تلفزيونياً على إحدى القنوات الفضائية ودهشت حين رأيت أحد ضيوف الحلقة يؤكد بثقة على ضرورة عدم التطرق للحديث عن الجنس مع أطفالنا قبل أن يبلغوا الخامسة عشر من العمر لأن هذه ـ من وجهة نظره ـ هي سن النضج، وحتى لا يفكروا كثيرا بهذه الأمور فينحرفوا أو يصبحوا شواذاً.


أظن أن لدينا بعض الاعتقادات الخاطئة.. أهمها أننا نتصور أن الجنس رذيلة، أو غريزة يجب تجنبها والابتعاد عنها قدر المستطاع أو تقنينها بحيث تصل إلى أبعد نقطة في التكوين الإنساني، وأن التحدث في شئون الجنس يعد نوعا من الإباحية و"قلة الأدب"، فنجد الآباء والأمهات يشعرون بالحرج، أو ما يشبه "الورطة" حين يكتشفون فجأة أن عليهم الإجابة على أسئلة أطفالهم المحرجة: كيف يولد الأطفال؟ ماذا يفعل المتزوجون؟ يتعمد الآباء الكذب على أطفالهم، أو التهرب من الإجابة، أو توبيخ أطفالهم وتعنيفهم على جرأتهم في طرح مثل هذه الأسئلة، أو في أحسن الأحوال الإجابة باقتضاب شديد وعدم ثقة. وتتفاقم المشكلة حين يزداد فضول الأطفال ورغبتهم في الاكتشاف والمعرفة، فلا يقفون عند الإجابات السطحية التي يقدمها لهم الآباء، ولا يقتنعون بعدم أهمية الحديث في أمور حيوية بالنسبة لهم، فالأمر بالنسبة لهم دافع فطري لاكتشاف الحياة واستجابة ليقظة عقولهم التي لا تعرف المحدود.



إن الجنس أرقى الغرائز الإنسانية في ارتباطه النوعي بالمشاعر والعواطف، فالإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي لا يمتلك موسما للتزاوج أو التكاثر. ورغم ذلك يتصور البعض أننا إذا استبعدنا الجنس من حياتنا وتفكيرنا وفرضنا عليه رقابة قصوى، نكون بذلك قد تحررنا منه وتحول إلى آلة لإنتاج الأطفال فقط. كما تتطور مثل هذه الاعتقادات لتصل إلى حد القناعة والمبدأ العام الذي يستوجب الدفاع عنه وتعميمه على المجتمع، ولا نحاول مراجعة هذه الأفكار، ويكتفي كل منا بالحلول السرية التي يرتضيها لنفسه دون الإعلان عنها أو مواجهة الآخرين بها، والنتيجة أننا نعيش حالة انفصام جنسي ـ إن جاز التعبير .


إننا نجهل معنى الجنس وبالتالي نجهل أهمية الثقافة الجنسية، فبعض الناس يتخيل أن التثقيف الجنسي يتم عن طريق أفلام البورنو، أو عبر الخوض في أحاديث جنسية هابطة دون هدف، في حين أن الثقافة الجنسية هي الإطار القيمي والأخلاقي المحيط بموضوع الجنس باعتباره المسئول عن موقف أطفالنا من هذا الموضوع مستقبلاً. تبدأ الثقافة الجنسية من تعرف الطفل على جسده وفهم خريطته، ومراحل النمو الجسمي وتغير الأعضاء، والفرق في ذلك بين الولد والبنت أو الرجل والمرأة فيما بعد، وإعطاء معلومات مبسطة وحقيقية عن حياتنا الجنسية حسب المرحلة العمرية والقدرة العقلية للطفل، فالتهرب من الأسئلة أو الارتباك وقت إعطاء المعلومة، يلفتان نظر الطفل بشكل أكبر، ويزيدان من فضوله الجنسي، ويرفعان من درجة الخيال السلبي لديه مما قد يتسبب في مشاعر الاضطراب والقلق والرفض مستقبلاً.


لابد أن تتم التربية الجنسية أو التثقيف الجنسي بشكل مستمر ومتواصل من خلال وسائط مختلفة (قصة، كتاب علمي، حوار حميم داخل الأسرة، تعليق على مشهد تلفزيوني أو خبر ما) فلا نعطى المعلومة دفعة واحدة كأننا نتخلص من عبء مزعج دون مراعاة رغبة الطفل في المعرفة، أو المرحلة العمرية، أو الظرف المناسب. إضافة إلى أهمية أن يكون الشخص القائم بالتربية الجنسية حيادياً في نبرة الصوت وحركة الجسد وعدم الاشمئزاز من الموضوع المطروح للنقاش.

لذلك يُعد التثقيف الجنسي مهمة مكتملة من المفترض أن يشترك فيها المنزل والمدرسة ووسائل الإعلام، حتى لا يضطر الطفل أو الطفلة إلى أخذ المعلومة من مصدر خاطئ أو الحصول عليها بشكل مشوه يؤثر في نموه النفسي والجنسي فيما بعد، وما أكثر المشكلات الحياتية والزوجية التي تنتج عن افتقاد الثقافة الجنسية. وقد يتمثل هذا التشوه الجنسي لدى البعض في أكثر من جانب:


• الخوف المرضي من الجنس واحتقاره Sex-phobia فنجد الشخص يمارس العلاقة الجنسية بدرجة مرتفعة من التوتر، وعدم الكفاءة، والتركيز على الجانب الكمي لا الكيفي فيصبح كآلة لتفريغ الشهوة لا أكثر، أو ربما تتعطل لديه القدرة على الممارسة أصلاً ويبرر ذلك بعدم أهمية الجانب الجنسي في حياة الإنسان.


• الهوس الجنسي Sex-mania بمعنى إسقاط المعنى الجنسي على كل شيء، كأن يرى الشخص كل شيء في الحياة له علاقة مباشرة وبشكل مبالغ فيه بالجنس ورموزه، يؤول أي علاقة بين رجل وامرأة على المعنى الجنسي، ويفسر أي نمط من الكلام بالمعنى الجنسي، وعدم القدرة على إقامة علاقة مع امرأة خالية من الجانب الجنسي. وتتبلور الصورة الفاضحة للهوس الجنسي فيما نطلق عليه سيكولوجياً مصطلح (كوبروفيليا) أي لذة البذاءة ففي جانبها الجنسي، نرى الشخص دائم التكرار للألفاظ الجنسية في الحديث العادي، وسب الأشخاص والأشياء، بشكل قهري كنوع من التنفيس عن كبت جنسي.


• الحرمان من العاطفة الجنسية، بأن يمارس الفرد العلاقة الجنسية مع شريكه ممارسة صماء خالية من المشاعر والحب، فهو يؤدي الطقس الجنسي بشكل كمي وظاهري فقط.
هذه وغيرها تشكلات غير سوية لافتقاد الثقافة الجنسية والتربية الخاطئة في هذا الجانب الحيوي والمهم في حياة الإنسان، ورغم ذلك ما زلنا نكابر وننادي بعزل الجنس في قمقم بدلاً من تقويمه والتفاعل معه بإيجابية وحب، والاستمتاع به كقيمة إنسانية عليا منحنا الله إياها.

متى نبدأ التثقيف الجنسي لأولادنا؟

بداية، من المهم جدا احترام كل مرحلة عمرية وطرح ما يناسبها حتى لا نتسبب في خطأ أكبر. يمكننا أن نبدأ التثقيف من سن الثالثة وحتى السادسة حول التعرف على أعضاء الجسم ومنها الأعضاء التناسلية ووظيفتها، والفروق بين الولد والبنت، وتنظيم العلاقة مع أجسادهم وأجساد الآخرين، والإجابة على أسئلتهم بشكل واضح وبسيط دون خجل أو ارتباك أو سخرية، ومن أهم الأسئلة: من أين يأتي الأطفال؟ كيف تلد المرأة؟ لماذا ينام المتزوجون في سرير واحد؟ ما هي وسائل منع الحمل؟ هل يمكن أن يتزوج الأخ من أخته، أو الأب من ابنته؟ فلا يجب أن نقول لأطفالنا نحن اشتريناكم من البقال، أو وجدناكم على باب المسجد، أو أن المرأة تلد من فمها، فهذه إجابات تضليلية، لكن يمكننا أن نشرح لهم الفرق بين علاقة الأزواج وعلاقة الأخوة أو الأبوة، ومفهوم الحمل والولادة بكلام بسيط عن الحيوانات والإنسان والاستعانة بقصص مصورة.


وفي مرحلة المراهقة والبلوغ ينبغي تسليط الضوء على التغيرات الجسمية عند الولد والبنت ووظيفتها، والدورة الشهرية، والاحتلام، والعملية الجنسية كاملة بشكل علمي، وغشاء البكارة. هنا يكون الأمر واضحا فلا تصاب الفتاة أو الولد بالخجل المرضي أو الجهل الذي يمنعهما من بدء حياتهما الزوجية بشكل صحيح أو القلق الزائد بشأن العلاقة الزوجية، أو الارتباك وفقدان الهوية الجنسية، أو الهوس بتقصي المعلومة الجنسية بطرق خاطئة تؤدي لنتائج سلبية فيما بعد. فالجهل المطلق لا يوازيه ضررا إلا العلم السائب، لذا لابد من تقنين المعلومات الجنسية وتدعيمها بالوازع الديني والقيمي والاجتماعي حتى لا تنفلت الأمور.


بالنسبة للأطفال المعاقين ذهنياً فإنهم لا يختلفون كثيراً عن الأطفال العاديين من حيث النمو والنضج الجنسي، ينتابهم الفضول المعرفي نفسه، والرغبات والميول الجنسية ذاتها، بل أنهم اشد احتياجاً للتثقيف الجنسي بما يناسب قدراتهم العقلية لأنهم أكثر اندفاعاً، وأقل وعياً بمنطق الصواب والخطأ، وأقل دراية بمصلحتهم الصحية والنفسية والجنسية، وأقل ضبطاً للنفس والرغبة، إضافة إلى أنهم أكثر عرضة للتحرش والاعتداءات الجنسية من قِبل عديمي الضمير الذين يستغلون ضعفهم الإنساني لمصلحتهم الشخصية.


إن أطفالنا المعاقين يؤلمون قلوبنا ونظل دوما حريصين على حمايتهم وإحاطتهم بالرعاية والاهتمام ربما أكثر من العاديين الذين لديهم قدراً مناسباً من الوعي يسمح لهم بحماية أنفسهم مع القليل من التوجيه والإرشاد والمراقبة. من هنا وجب تثقيفهم وتوعيتهم بشأن الحدود المسموح بها بين أجسادهم وأجساد الآخرين، الوظيفة البيولوجية لأعضاء الجسم بما فيها الأعضاء الجنسية، وتزوديهم بالمعلومات الجنسية الصحيحة والمناطق الجسدية التي لا يجب الاقتراب منها أو لمسها بطريقة غير سوية لأجسامهم من قبل الآخرين حتى يدركوا معنى التحرش الجنسي، كما يجب مراعاة سلوكهم الجنسي كالاحتكاك بأعضائهم والتعامل معه بطريقة صحيحة.


يجب توخي الحذر في تعاملهم (خاصة الفتيات) مع الآخرين وعدم تواجدهم بمفردهم مع أشخاص غير آمنين (الخدم، السائق، الغرباء، ...). يمكننا استخدام وسائل علمية وتربوية مبسطة معهم مثل القصص، والرسم، والألعاب التعليمية المخصصة لذلك. وقد انتبهت معظم الدول المتقدمة لأهمية ذلك، فأدخلت التثقيف الجنسي للمعاقين في برامجهم التربوية والسلوكية ومناهجهم العلمية، مثل الصين التي افتتحت مراكز خاصة لتوعية هؤلاء الأطفال وأولياء أمورهم، وإنجلترا وأميركا اللتين أدخلتا هذا الموضوع ضمن المناهج المخصصة لهذه الفئة.

بقلم الدكتورة رضوى فرغلي  على موقع : كل يوم معلومة طبية 

About the Author

Unknown

Author & Editor

Has laoreet percipitur ad. Vide interesset in mei, no his legimus verterem. Et nostrum imperdiet appellantur usu, mnesarchum referrentur id vim.

share

comments

comments powered by Disqus

 
ثقافة جنسية © 2015 - Designed by Templateism.com